كارت احمر للرئيس
لا يعترف عبد الحليم قنديل بالحواجز والخطوط الحمراء ويعتبر السماء سقف حريته ويبدو انه لا يستشير عقله قبل ان يسكب حبر قلمه على الورق فقد اخترق قنديل اسوار الخوف وفتح الابواب لغيره لكنه يظل دائما سابق بخطوة..ويوقع قنديل يوم 16 اغسطس القادم بنقابة الصحفيين كتابه الخطير كارت احمر للرئيس بحضور كوكبة من نجوم السياسة والصحافة والفن
واليكم احد المقالات الجريئة التى يتضمنها الكتاب
في العالم ألف طريقة لخلع الديكتاتور، وفي مصر طريقة عزرائيل.وقد تأخرت عنا أقدار الله، ولحكمة يعلمها وحده، وتراخت مواعيد الختام.في ايلول (سبتمبر) 2011، يكون الرئيس مبارك على عتبة عامه الخامس والثمانين، وربما يمد في رئاسته ـ إن عاش ـ فوق ثلاثين سنة يكون قضاها في الحكم، وربما تنسحب فكرة التمديد الأبدي، وتفسح المجال لفكرة التوريث،ويتقدم جمال مبارك لثلاثين سنة أخرى بعد ثلاثينية الأب، وربما لا يسع الابن أن ينتظر إلى الموعد المقدور، ويتعجل إتمام خطة توريث الرئاسة رسميا، وعلى نحو ما يبدو في دفع الابن ـ ومماليكه في الحكم ـ إلى حل ما يسمى مجلس الشعب، والتبكير بإجراء ما يسمى بانتخابات البرلمان وانتخابات الرئاسة، والبدء بتنفيذ مذبحة شاملة للتخلص من نواب الإخوان والمعارضة الراديكالية في البرلمان الحالي، واستقطاب أحزاب المعارضة الصورية، وتوزيع حصص ديكورية عليها، ومقابل تطوع رؤساء أحزاب المعارضة الصورية للقيام بأدوار الكومبارس في انتخابات رئاسة عبثية، وتكون الخطوة النهائية في التنصيب الرسمي لجمال مبارك، وبوسائل خداع بصري توحي بتنظيم انتخابات، بينما القصة كلها مجرد تعيين بالأمر العائلي المباشر.
وسواء جرى التعجيل بالتوريث، أو جرى التأجيل، ومد رئاسة مبارك الأب، فإننا نكون بصدد جريمة سياسية كاملة الأوصاف، وغصب لمقدرات البلد، وإمتداد بالبؤس إلى مستقبلها بعد حاضرها، و’تحويل مصر وأهلها إلى عزبة عائلية خاصة ‘ على حد تعبير بيان أخير صدر عن ائتلاف المصريين من أجل التغيير، والأخير تحالف سياسي راديكالي، ويضم حركة كفاية وحركة شباب 6 إبريل وحزب الكرامة وحزب العمل وحزب الغد ومنظمة الإشتراكيين الثوريين وحركة اليسار المقاوم، بالإضافة لعدد كبير من الشخصيات العامة وكبار الصحافيين والأدباء والمفكرين، وعدد مؤثر من القيادات العمالية والفلاحية وقادة الإضرابات والهبات الإجتماعية المتواترة في مصر.
فهل ثمة طريقة للخروج بمصر من الشرك العائلي؟، وتحريرها من وضع الرهينة لمطامع الأب ومطامح الابن؟، لا نتحدث هنا ـ بالطبع ـ عن طريقة عزرائيل، فالله وحده هو صاحب السلطة فيها، وهو يقرر ما يشاء في الوقت الذي يقدره، وبغير تعقيب ولا تثريب، ونحن نتمنى للرئيس مبارك طول العمر، لكن ليس في منصب الرئاسة الذي شاخ على كرسيه، والعالم يعرف طريقة التنحي الطوعي عن الحكم، وهي لا تبدو واردة في مصر الآن، فلا أحد يتوقع أن يتنحى الرئيس ويترك الأمر للشعب، لن يفعلها مبارك إلا إذا ترك الأمر لابنه، أو إذا تزايدت الضغوط عليه في دائرة الحكم الضيقة، ودفعته لإستخلاف جنرال يعود بمصر إلى الدائرة اللعينه نفسها، والسبب ـ في مثل هذا التوقع ـ لا يعود إلى طبع العناد المعروف عن الرئيس، بل في (التناحة) العقلية والاجتماعية التي انتهى إليها نظامه المعلق، وبغير قواعد اجتماعية وسياسية تسند، وبتعويل مفرط على عصا أمنية متضخمة متورمة، وبصورة فقد معها النظام حساسيته السياسية، وتحول إلى ما يشبه الشخص الهارب من حساب التاريخ، فوق ما جرى من جرائم النهب العام، والتي يخشى مبارك بسببها أن ينتقل إلى قفص الاتهام، إن هو ترك قصر الرئاسة، فهو يريد أن ينتقل من القصر إلى القبر فلا يسائله أحد، والمعنى: أنه لا توجد طريقة لاقناع الرئيس بالتنحي الطوعي لصالح الشعب، وقد ينتظر الحصول على ضمانات يوفرها حكم ابنه أو حكم الجنرال، وربما لا يستريح للضمانات، ولا يطمئن إليها، ويفضل القعود على رقابنا إلى ساعة الأجل المحتوم.
وفي الدنيا طريقة أخرى مشهورة للخلاص من الديكتاتور، كالأمل في تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية عامة، وكفالة حقوق الترشيح، وتوفير ضمانات لجدية وصحة الانتخابات، وهذه طريقة انتهت إلى الحائط المسدود في مصر، أما كيف؟، فالجواب في تعديلات الدستور التي جرى الاستفتاء عليها صوريا في 26 مارس 2007، قبل هذا التاريخ، كان يمكن الحديث عن تزوير منهجي للانتخابات في مصر، وعن أمل يراوغ في الاستناد لضمانات الاشراف القضائي الكامل
وفي التعديلات إياها، جرت الإطاحة عمليا بشرط الإشراف القضائي، فقد ألغت تعديلات المادة (88) لزومية الإشراف القضائي، ووضع قاض فوق رأس كل صندوق انتخابي، وقصرت وجود القضاة على اللجان العامة دون الفرعية، وهو ما يعني ـ بالدقة ـ استبدال الإشراف العملي لضباط الشرطة بإشراف القضاة الذي كان قائما، أضف إلى ذلك فوضى الجداول الانتخابية، وسيطرة جماعات البلطجة الرسمية، والعزوف الجماعي عن التصويت، وعادة التسويد العشوائي للأصوات أحياء وأمواتا، وكلها ممارسات سارية ومؤكدة بمئات ـ بل بآلاف ـ الأحكام القضائية للمحاكم الإدارية ومحكمة النقض، وفي انتخابات الرئاسة تبدو القصة أفدح وأكثر إثارة للسخرية، فتعديل المادة (76) من الدستور يتحدث عن انتخابات رئاسية تعددية، ثم يعود فيلغي ـ عمليا ـ فرص وحقوق الترشيح، ويحجبها عن الثمانين مليون مصري، ويقصرها صوريا على عشرات محددين بالاسم، ثم يقصر حق الترشيح الجدي على اثنين فقط، الرئيس مبارك نفسه أو من يرشحه مبارك، والسماح للآخرين ـ فقط ـ بلعب أدوار الكومبارس، ومقابل أجر معلوم هو نصف مليون جنيه مصري في صورة مصاريف دعاية، فالترشيح المتاح مقصور ـ بالجملة ـ على رؤساء أحزاب المعارضة الصورية التي ينشئها النظام أو يسمح بها، وعلى أعضاء الهيئات العليا للأحزاب إياها، وهي أحزاب موجودة بترخيصات أمنية تملك الإدارة أن تلغيها بجرة قلم، وفي أي وقت تقدره
وخارج دائرة الأحزاب الميكروسكوبية، فلا أحد من الثمانين مليون مصري له حق الترشيح، فتعديل الدستور يشترط ضرورة تزكية 250 عضوا نيابيا لأي راغب في الترشيح من خارج الهيئات العليا للأحزاب إياها، تشترط موافقة 65 عضوا من مجلس الشعب،45 عضوا من مجلس الشورى، و140 عضوا من المجالس المحلية في عشر محافظات على الأقل، وقد جرى تزوير انتخابات هذه المجالس بالجملة، وحجز مقاعدها ـ بنسبة التسع تسعات ـ لحزب الرئيس، وهو ما سيكتمل مع إزاحة ما تبقى من المعارضين الجديين في انتخابات مجلس الشعب، وسواء جرت مبكرة، أو في موعدها المقدور نهاية 2010، والمعني: أن قصة الانتخابات انتهت في مصر، وتحولت بالكامل إلى تعيينات إدارية، فلا ضمانات جدية، ولا حقوق ترشيح، وبعد أن جرى تزوير الدستور نفسه، وتفصيل نصوصه على المقاس العائلي.
وربما تتبقى طريقة أشار إليها البيان الأخير لائتلاف المصريين من أجل التغيير، وهي إدارة حوار واسع مع كافة أطراف المعارضة السياسية والإجتماعية الجدية، وكلها ـ بالطبع ـ في وضع الحركات المحظورة رسميا، وبقصد التشاور والتجهيز لإعلان بديل رئاسي وحكومة ائتلاف وطني، ليس بهدف الدخول في انتخابات معلومة النتائج سلفا، ولا بهدف كسب فرصة ترشح مستحيل للرئيس المقترح، بل بهدف صياغة بديل معلن للرأي العام، والدخول في منازعة مفتوحة بطول وعرض الشارع المصري، وبطريق وحيد مفتوح للتغيير بتصعيد المقاومة المدنية والعصيان السلمي، وإعداد البلاد لمرحلة انتقالية تعقب الانهاء السلمي للنظام الحالي
وفي المشاورات المبدئية، يجري التركيز على إختيار شخصية عامة تصلح لدور الأب أو الرئيس الانتقالي، ومن خلفية قانونية أو علمية محايدة لا تستثير استقطابا سياسيا، ومن نوع د. محمد البرادعي الذي ترك مؤخرا منصبه كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو د. محمد غنيم، وهو طبيب مصري مرموق ذي سمعة عالمية، أو المستشار طارق البشرى القاضي والمفكر المرموق الذي دعا المصريين مبكرا لإعلان العصيان، والأخيران من الموقعين الأوائل على البيان التأسيسي لائتلاف التغيير، وتتسع قائمة الترشيحات المفضلة لعشرات من رموز تيار استقلال القضاء، ومن نوع زكريا عبد العزيز وأحمد مكي ومحمود الخضيري وهشام البسطويسي نواب رئيس محكمة النقض، وتوجد ـ بالطبع ـ عشرات بل مئات الأسماء الأخرى، وربما الأهم من الاستقرار على اسم بعينه، أن يتقبل الاسم نفسه مخاطر الدور، وأن يحتمل ضرائبه الثقيلة، وأن يكسب عواطف الشعب المصري في معركة النهاية مع ديكتاتور مصر المزمن.
دائماً ما أقول بأن الشعب المصري بات على عتبة من أن يكون أقوى من النظام
ردحذف