محاكمة عبد الحليم قنديل



قبل ثلاثة وعشرين عاما تداعينا نحن الطلاب المستجدين المهمموميين بالقومية العربية والوحدة العربية والفكر الناصرى للقاء شاب خريج طب اسمه عبد الحليم قنديل ..كان اللقاء فى جزيرة الورد بالمنصورة وكانت حديقة عامة عامرة بالورد والاشجار قبل ان يغتصبها اللصوص ويحولونها الى ناد خاص بمصروفات خيالية

جلسنا حلقة حول شاب قصير القامة ضعيف النظر وجهه مستدير يميل الى البياض ..يبدو حالة من حالنا من الفئة التى تذاكر فى المكتبة ليس حبا فى الاطلاع فقط بل لأنها لا تستطيع شراء الكتب خاصة ان سعر الكتاب الواحد فى ذلك الوقت كان قد وصل الى 8 جنبهات فى حين ان مصروفى الاسبوعى كان 12 جنيها وكنت اظن نفسى مرفها على اية حال ..كنت اشترى المجلة السوفياتية بخمسة قروش والوعى الاسلامى بعشرة والصين الجديدة بخمسة فضلا عن روزا والموقف العربى وجريدة صوت العرب ..لم احرم نفسى من القراءة وكانت تفيض معى بعض القروش لشراء كتب وروايات

فى حديقة الورد عام 1985 استمعت الى عبد الحليم قنديل لأول مرة واكتشفت لأول مرة بأننى لست شجاعا كما كنت اظن لأ ن تعليق صورة جمال عبد الناصر وصورة خالد محى الدين فى حجرتى وسماع اغانى عبد الحليم حافظ وام كلثوم وفايدة كامل وعبد الوهاب ومحمد حمام ..اقصد الاغانى الوطنية ..لا تعنى شىء ..كل ذلك ضاع تحت اقدام هذا الشاب القصير الذى يتحدث عن حب الوطن وضرورة الثورة لتطهير مصر والوطن العربى من عملاء الصهيونية وان الايمان بالفكر الثورى يتطلب ان يتحمل كل منا مسئوليته وبما اننا طلاب فان اولى مسئولياتنا ان ننجح وان نسعد اهلنا وان لانحملهم مصاريف اضافية ..ان نكون على اتم الاستعداد لدفع ضريبة حب الوطن اذا اقتضت الظروف ان نعتقل او نعذب فى غياهب السجون او حتى نموت اذا لزم الامر

قال لى صديقى سلامة سرحان :ايه رأيك فى عبد الحليم قلت له انه ولد طلقة سيكون له مكانة هامة جدا فى الحركة الناصرية والقومية العربية ويبدو ان حماسى شجع اختنا سلمى سرحان شقيقة سلامة على ان تقترح ان نلتقى بهذا الشاب مرة كل اسبوع او حتى كل شهر

ودارت الايام والتقينا مع حمدين صباحى والدكتور عصمت سيف الدولة والاستاذ محمد السخاوى والمهندس محمد الاشقر والدكتور برهان غليون ولطفى الخولى وعبد العظيم مناف ومحمد فائق ومحمد عروق وضياء الدين داوود وفريد عبد الكريم والدكتور صلاح الدسوقى وسامح عاشور وعبدالله السناوى وكمال احمد وكبار اعلام الفكر الناصرى ولكن يظل عبد الحليم قنديل ذا الاثر الطيب فى نفسى

وبعد غد يمثل عبد الحليم امام القضاء لانه وصف احمد عز امين التنظيم فى الحزب الوطنى بأنه سارق مصر ..ومن يعرفون عبد الحليم يعرفون انه حاد الكلمات وانه لا يعرف تهذيب وتلطيف بعض الاوصاف لكنه يدخل فى صلب الموضوع مباشرة من خلال العنوان فانت لن تحتاج لقراءة ما كتبه قنديل ضد احمد عز فقط سوف تكتفى بالعنوان لتخمن انت الباقى وتخمينك صحيح

كثيرون يلومون عبد الحليم بسبب تهوره فى انتقاد الجميع بداية من الرئيس مبارك وما دونه ..وتهور قنديل يكشف عجز الاخرين ..فقد فتح هذا الشاب القصير ضعيف النظر ابواب النقد للرئيس وزوجته وابنائه فى وقت كان مجرد كتابة اسم الرئيس نوع من المحرمات ..صار الرئيس موضع للنقد وصار فى عين العاصفة فى اطار الحرية التى يؤمن بها قنديل والتى وضع سقفا لها عند عنان السماء


لو كنت مكان القاضى الذى سيقف امامه عبد الحليم لمنحته براءة من الجلسة الاولى وكتبت فى حيثيات البراءة ان عشاق الوطن ينقرضون والشجعان يتراجعون والمؤمنين بالحرية اصبحوا عملة نادرة وان الحفاظ على هذا الرجل حفاظا على قيمة الامة وقدرها ومستقبلها

سوف يكتشف الجيل القادم والاجيال القادمة قيمة وعظمة عبد الحليم قنديل

وليس امامى متسع للمزيد لكننى اثق ثقة مطلقة فى صمود قنديل وقوته النفسية واصراره على انتزاع حريته من بين انياب اللصوص وعصابات الاحتكار وتجار الكلام وكلى يقين ان شرفاء مصر لن يتركوا قنديل يقاتل وحده بل سيقفون معه بداية من الدعم المادى ثم المعنوى او حتى بالدعاء بأن ينقذه الله من بين مخالب الفاسدين


0 اضف تعليقا:

مرحبا بالاصدقاء الاعزاء
يسعدنى زيارتكم وارجو التواصل دائما
Hello dear "friends
I am glad your visit and I hope always to communicate

الحقوق محفوظة الاسرار           تعريب وتطوير